کد مطلب:306553 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:220

فی غیاب الزوج


هكذا مرت بك الحیاة (سیدتی) وسط منزل فردوس صغیر من فرادیس الجنان، و ان كانت ارضه (مبسوطة بجلد كبش). [1] .

كنتِ تحیین فیه بین سبطین، تترقرق علی وجوههم السكینة والسرور، والبشر.

.. فكانت الزهراء تحب حیاتها هذه رغم «المرارة التی تعیشها) [2] .

وها هما الحسنان یترعان من حولك سیدتی فرحان، و انت بینهما (بكسائك المصنوع من وبر الابل، تدیرین الرحی بید) [3] ، و تفیضین بالاخری حبك و حنانك و رعایتك، علی ولدیك. و أنت منهمكة بأعمال المنزل.

فی حین یحدثك قلبك عن الأب والزوج الغائبین، واللذین قد ودّعاك قبل أیام، و ذهبا بسیوفهما و ادرعتهما.

فكانت عیناك تنتظر سماع كلمة (اللَّه أكبر) تنبعث مدویة من لسان زوجك أمیرالمؤمنین.. فلقد كانت بدر فاتحة للنصر المبین للاسلام و علی، لأنها جعلت من المسلمین شوكة.


فتعاهدت الاحزاب علی ان لا یتركوا له فینة دون السیف بعد أن عجزوا فی الرد بالكلام.

فكان سیف علی بن أبی طالب یجول و یصول فی المیادین؛ لینصر كلمة ربه و دعوة نبیه.

فكنت یا مولاتی تعانین من شوق فؤادك، الذی لا یفتر حبه لأبیك الرسول صلی اللَّه علیه و آله و سلم و وصیه.. اذ كانت الدموع تترقرق وسط مآقیك، و أنت فی محراب صلاتك تدعین اللَّه أن ینصر الإسلام، و یعود بنبیه و وصیه سالمین.

وها أنت الآن تنجزین ما علیك من مهام.

فتارة تستقین بالقربة حتی أثرت فی نحرك.

و تارة اُخری تجلسین بین الموقد والرحی، حتی دكنت و اغبرت ثیابك.

فمجاهدة أهل الضلال، الذی أمر به الرسول سلبتك رعایة و مساعدة زوجك الذی كان یشعرك بشی ء من الراحة.

فما ان تطفی ء ناراً للحرب حتی ینشب أهل الشرك ناراً اخری.

و ما ان تنتهی غزوة للمسلمین، إلّا ان یتهیئوا إلی غزوة اُخری لتحریر البشر، و اخراجهم من الرق و العبودیة لغیر اللَّه سبحانه.

.. هكذا صار دیدن أمیرالمؤمنین حتی أنه شارك فی اثنی و ثمانین غزوة ما ترك منها سوی غزوة (تبوك) حینما جعله رسول اللَّه خلیفة من بعده، علی أهل المدینة فقال أمیرالمؤمنین:

- (اتخلفنی فی الصبیان والنساء). فأجابه صلی اللَّه علیه و آله و سلم:

- «ألا ترضی أن تكون منی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنه لا نبی بعدی. [4] .


و بالرغم من كل هذا كنت تسعین جاهدة فی ان لا تشعری أباك، و زوجك بقدر التعب الذی تعانیه.

(بل كنت تتفقدین الرسول وسط الحرب حاملة معك خبزاً كان هو حصیلة متاعب یومك و طعاماً لولدیك، فكنت تقدّمینه للرسول) [5] كی یبقی نبی الإسلام بصحة و عافیة، یفیض علی المسلمین برحمته.

فی حین ترسلین ببصرك وراءه؛ لترینه هل أصابه من مكروه.

(فكنت أول من تهرع لمداوة جراحاته و عیادته) [6] اذ لم تتركی اُمومتك له حتی بعد اقترانك بعلی.

.. و ما كنت تشكین له، و ان الرسول الأب لیری بأم عینیه ما تعانینه، فتترقرق الدموع وسط مقلتیه و هو یقول: (یا فاطمة اصبری علی مرارة الدنیا بنعیم الآخرة غداً).

فیهبط الوحی قائلاً:

(و لسوف یعطیك ربك فترضی) [7] .

حتی ان الزهراء سمعت ان رقیقاً اُتی بهم للنبی، و ابیها یعلم ما تكابده ابنته من متاعب و انه لقادر علی أن یملی ء لها الأرض ذهباً، لكنه علمها (التسبیحة) والتی اشتهرت بتسبیحة الزهراء، بدلاً عن خادم یساعدها فی شؤون بیتها. [8] .


فما كان یحب ان یری قرطین فی اُذنیها الشریفتین، أو قلادة تلبسها أو ستر باب كانت من الغنائم التی اتی بها علی لزوجته فكان یقول صلی اللَّه علیه و آله و سلم:

«ان هؤلاء أهل بیتی و لا أحب أن یأكلوا طیباتهم فی حیاتهم الدنیا» [9] .

هذا هو الاسلام سیدتی و هذا هو نبیه، و هذا هو وصیه.. و هذه انت و ای سیدة، سیدة نساء العالمین، فروحك الزكیة الطاهرة ظلت تمد الاسلام بالصبر و الایثار، كخدیجة من قبل، من أجل الانسانیة، لتخرج بها من الضلال والضلام إلی الحق و النور.


[1] الطبقات الكبري لابن سعد ج 8 ص 13- 14، بسنده عن عامر قال: قال علي عليه السلام: (حين دخل بفاطمة عليهاالسلام كان فراشهما اهاب كبش إذا أرادا أن يناما قلباه علي صوفه و وسادتهما من أدم حشوها ليف). و روي بطريقة اُخري في نفس الكتاب ص 15.

[2] صحيح ابن ماجة في أبواب الزهد ص 316.

[3] كنزالعمال ج 6 ص 295، كما قد نقل عن مسند أحمد ج 3 ص 150 بسنده عن أنس بن مالك (ان بلالاً أبطاً عن صلاة الصبح فقال له النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم: ما حبسك؟ فقال: مررت بفاطمة و هي تطحن والصبي يبكي فقلت لها: ان شئت كفيتك الرحي و كفيتني الصبي و ان شئت كفيتك الصبي و كفيتني الرحي، فقالت: انا ارفق بأبني منك فذاك حبسني قال: فرحمتها رحمك اللَّه). كذا اخرجه: (ابن لال) (ابن مردويه) (ابن النبي) (الديلمي) (السيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة الضحي).

[4] ذكرها البخاري في كتاب بدء الخلق في باب غزوة تبوك، أبونعيم في حليته ج 7 ص 195- 196، مشكل الآثار ج 2 ص 309، أحمد بن حنبل ج 1 ص 182.

[5] ذخائر العقبي ص 47.

[6] صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير، في باب غزو اُحد، البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق.

[7] كنزالعمال ج 6 ص 295، قال: عن جابر ان رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم رأي فاطمة في كساء من اوبار الابل و هي تطحن، فبكي و قال: يا فاطمة اصبري علي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً و نزلت (و لسوف يعطيك ربك فترضي) قال: اخرجه ابن لال و ابن مردويه و ابن النجار والديلمي و ذكره السيوطي في تفسيره سورة والضحي، و قال: أخرجه العسكري في المواعظ.

[8] ذكره ابوداود في صحيحه ج 33، في باب التسبيح عند النوم، مسلم في صحيحه في كتاب الذكر و الدعاء في باب التسبيح أول النهار و عند النوم، صحيح البخاري في باب مناقب علي ابن أبي طالب، حلية الأولياء ص 41، مختصراً.

[9] الصواعق المحرقة لابن حجر ص 109.